الاثنين، 4 أكتوبر 2010

التنطير والتأصيل لفقه الأقليات المسلمة



















1- مقدمــة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى أهله وصحبه وسلم.


وبعد،،،


فبعد الحرب العالمية الثانية، اضطرت أوروبا إلى فتح أبوابها أمام اليد العاملة -خاصة المسلمة- فكانت هجرة المسلمين إلى أوروبا ليسوا فاتحين، وإنما طالبين للعمل، أو طالبين لحق اللجوء السياسي، أو طالبين للعلم والخبرة.


وظهرت المصاعب والتحديات أمام اندماج المسلمين في الحياة اليومية بأوروبا، خاصة مع ظهور الجيل الثاني والثالث، فظهرت الحاجة إلى هذا النوع من الفقه.


فقه الأقليات المسلمة( 1)، وهو فقه نوعي يراعي ارتباط الحكم الشرعي بظروف الجماعة، وبالمكان الذي تعيش فيه، فهو فقه جماعة محصورة لها ظروف خاصة يصلح لها ما لا يصلح لغيرها.


ولعل المشكلة الأساسية التي تواجه الأقليات المسلمة هي عملية "الاجتهاد" بمفهومه العام، الذي هو محاولة تنزيل النص الشرعي، مصدر الحكم في الكتاب والسنة على الواقع، وتقويم سلوك الناس ومعاملاتهم به، ومحله دائماً المكلف وفعله. وهذا يتطلب بعد فقه النص، النظر إلى الواقع البشري وتقويمه، من خلال النظر للنص وكيفيات تنزيله في ضوء هذا الواقع البشري.


فتغير الواقع وتبدل الحال، يقتضي بالضرورة إعادة النظر بالاجتهاد


أو بالحكم الاجتهادي، لأنه يشكل محلاً لتنزيل الأحكام مختلفًا كثيرًا عما كان عليه الحال مسبقًا.


إن هذه الأقليات المسلمة تحتاج إلى فقه خاص، يقوم على اجتهاد شرعي قويم، يراعي مكانها وزمانها وظروفها الخاصة، وأنها لا تملك أن تفرض أحكام شريعتها على المجتمع الذي تعيش فيه، وأنها مضطرة أن تتعامل وفق أنظمة ذلك المجتمع وقوانينه، مع أن بعضها يخالف شريعة الإسلام، وتلك هي مشكلة البحث.


المنهج المتبع في البحث:


وقد اتبع الباحث المنهج الاستدلالي التحليلي، حيث التدليل على كل ما يطرحه من أفكار، مع تحليل ما استقرأه من النصوص والأفكار.


خطة البحث


اشتمل هذا البحث -بعد المقدمة- على النقاط التالية:


 أهداف وخصائص فقه الأقليات.


 مقاصد الشريعة وفقه الأقليات.


 ركائز فقه الأقليات.


 القواعد التي يمكن توظيفها في فقه الأقليات.


 بعض قضايا الأقليات المسلمة.


 نتائج البحث.


2- أهداف وخصائص فقه الأقليات


الفقه الذي ننشده للأقليات المسلمة في أنحاء العالم له أهداف وخصائص يسعى إلى تحقيقها في إطار أحكام الشريعة وقواعدها منها(2 ):


أولاً: أن يعين هذه الأقليات المسلمة –أفراداً وأسراً وجماعات- على أن تحيا بإسلامها حياة ميسرة بلا حرج في الدين، ولا إرهاق في الدنيا.


ثانياً: يساعدهم على المحافظة على جوهر الشخصية الإسلامية المتميزة بعقائدها وشعائرها وقيمها وأخلاقها بحيث تكون صلاتها ونسكها ومحياها ومماتها لله رب العالمين، وبحيث تستطيع أن تنشئ ذراريها على ذلك.


ثالثاً: أن يمكِّن المجموعة المسلمة من القدرة على أداء واجب تبليغ رسالة الإسلام العالمية لمن يعيشون بين ظهرانيهم.


رابعاً: أن يعاونها على المرونة والانفتاح المنضبط، حتى لا تنكمش وتتقوقع على ذاتها، وتنعزل عن مجتمعنا، وبذلك تحقق المحافظة بلا انغلاق، والاندماج بلا ذوبان.


خامساً: أن يسهم في تثقيف هذه الأقليات وتوعيتها، بحيث تحافظ على حقوقها وحرياتها الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كفلها لها الدستور، حتى تمارس هذه الحقوق المشروعة دون ضغط ولا تنازلات.


سادساً: أن يعين هذا الفقه المجموعات الإسلامية على أداء واجباتهم المختلفة: الدينية والثقافية والاجتماعية، دون أن يعوقهم عائق.


سابعاً: أن يجيب هذا الفقه المنشود عن أسئلتهم المطروحة، ويعالج مشكلاتهم المتجددة، في مجتمعهم وبيئتهم.


* ولهذا الفقه المنشود خصائص لابد أن يراعيها، حتى يؤتي أكله، ويحقق أهدافه، تتمثل فيما يلي(3 ):


أولاً: هو فقه يجمع بين التراث الإسلامي الفقهي وظروف العصر وتياراته ومشكلاته.


ثانياً: يربط بين عالمية الإسلام وواقع المجتمعات التي يشخص لها.


ثالثاً: يوازن بين النظر إلى نصوص الشرع الجزئية ومقاصده الكلية.


رابعاً: يرد الفروع إلى أصولها، ويعالج الجزئيات في ضوء الكليات، موازناً بين المصالح بعضها وبعض، وبين المفاسد وبعضها وبعض، وبين المصالح والمفاسد عند التعارض في ضوء فقه الموازنات وفقه الأولويات.


خامساً: يلاحظ ما قرره المحققون من علماء الأمة من أن الفتوى تختلف باختلاف المكان والزمان والحال والعرف وغيرها.


سادساً: يراعي الحفاظ على تميز الشخصية المسلمة للفرد المسلم والجماعة المسلمة، مع الحرص على التواصل مع المجتمع من حولهم، والاندماج به والتأثير فيه بالسلوك والعطاء.


3- مقاصد الشريعة وفقه الأقليات


لاشك أن شريعتنا الإسلامية جاءت بحكم وأسرار وعلل تحقق مصالح العباد في الدين والدنيا، وقد اهتم العلماء ببحث ذلك، وقرروه وأصلوه وبرهنوا عليه باستقراء النصوص والأحكام، يقول علال الفاسي: "المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلِّفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل وفي العمل، وإصلاح في الأرض، واستنباط لخيراتها، وتدبير لمنافع الجميع(4 )".


والمقاصد التي نتعرض لها هنا هي المقاصد التي نرى أنها يمكن توظيفها توظيفاً مباشراً في أحكام تتعرض لها هذه الأقليات المسلمة، ويدخل عليها الحرج بسببها، ومن ذلك:


أولاً: نشر الإسلام وحمل الدعوة وتبليغها.


لاشك أن هذا مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، دلت لذلك نصوص وتشريعات كثيرة، قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا((5 ، وقال تعالى: ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ(( 6)، وقال رسول الله  : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"( 7)، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على الجهاد، وترغب فيه وتبين حدوده وأحكامه، وتحث على الدعوة والتبليغ، وقد أخبر  أن هذا الدين سيظهر ولا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا دخله، من حديث تميم الداري قال: سمعت رسول الله  يقول: "ليبلغن هذا الأمر –أي الإسلام- ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر" ( 8).


ويمكن توظيف هذا المقصد في حسم الخلاف في جواز إقامة مثل هذه الأقليات ببلاد غير المسلمين، ومن ثم توظيفه في التماس الرخص والسهولة واللين لهذه الأقليات، ما دامت تضطلع بهذه المهمة وتخدم هذا المقصد الشرعي.


ثانياً: ترغيب الناس في الإسلام


يبدو للناظر في الشريعة الإسلامية أن بها مجموعة من الأحكام والتشريعات قصدت الترغيب في الإسلام، وفتحت الباب على مصراعيه لكل من تسول له نفسه الدخول فيه، فتضمن له المستقبل، وتطهره من كل ما مضى، حتى لا يبقى عنده خوف، ولا تقوم أمامه عرقلة، ويفهم ذلك مما يلي:


أ- أن الكافر بمجرد دخوله في الإسلام، تغفر ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، بدليل قوله  : "الإسلام يَجُب ما كان قبله"( 9).


وقد اتفق علماء الأمة على أن توبة الكافر مقبولة مطلقاً، واختلفوا في توبة المؤمن هل قبولها قطعي أو ظني.


ب- أن الكافر إذا أسلم يقر على نكاحه، ولا ينظر في عقده،ولا في صداقه، ولا في حيثية من حيثياته الأخرى، المهم أن لا يكون فيه ما يمنعه في الحال، كالتحريم بسبب النسب أو الصهر أو الرضاع، وأن لا يزيد على أربع، وإذا كان عنده أكثر منهن فليختر أربعاً، كما في حديث غيلان بن أميه حيث قال له  : ”اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن" ( 10)،


ج- أن الله سبحانه وتعالى جعل في الزكاة سهماً للمؤلفة قلوبهم وإن كانوا أغنياء.


فهذا يدل على أن الشريعة قصدت إلى ترغيب الناس في الإسلام، فأعطت للداخل الجديد كل الضمانات التي تجعله يطمئن على كل أموره الأساسية.


4- ركائز فقه الأقليات


يقوم فقه الأقليات المنشود على ركائز أساسية يجب أن يراعيها أكثر من غيره، وإن كان الفقه كله في حاجة إليها، منها( 11):


أولاً: لا فقه بغير اجتهاد معاصر قويم.


حيث إن الفقه الذي ننشده للأقليات المسلمة- ليحقق الأهداف والغايات المنوطة به- لا يتحقق إلا من خلال اجتهاد صحيح صادر من أهله في محله.


وإذا كان الفقه كله يحتاج إلى الاجتهاد بنوعيه الانتقائي والإنشائي، فإن فقه الأقليات أشد حاجة، للظروف التي تعيشها الأقلية بين ظهراني أكثرية تخالفها في الدين، وبالتالي في الكثير من المفاهيم والسلوكيات والتقاليد.


وهذا الاجتهاد إنما هو جزء من التجديد الذي حدثنا عنه النبي  حين قال: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)).


والتجديد للدين يشمل تجديد الفقه فيه والفهم له، وتجديد الإيمان به، والالتزام بتعاليمه، والدعوة إليه بلسان القوم والعصر حتى يبين لهم، ولا يتجدد الفقه والفهم للدين إلا باجتهاد معاصر قويم( 12).


ثانياً: مراعاة القواعد الفقهية الكلية.


وذلك بالرجوع والاستناد على تلك القواعد التي أصلها الفقهاء، استمداداً من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والاستدلال منها والبناء عليها، وهي كثيرة، ولها تطبيقاتها المتعددة في الجزئيات والفروعيات العملية المختلفة( 13).


ثالثاً: العناية بفقه الواقع.


ولا يستطيع هذا الاجتهاد المعاصر المرجو أن يؤدي مهمته، ويحقق غايته، ويؤتي ثمرته، إلا إذا ضم إلى فقه النصوص والأدلة: فقه الواقع.


وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله- "لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر. فمن بذل جهده، واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا.


فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله( 14).


والفقيه الحق –كما قال ابن القيم- "هو الذي يزاوج بين الواجب والواقع، فلا يعيش فيما يجب أن يكون فقط، بل فيما هو كائن، وبهذا يعرف ما يفرضه الواقع من أحكام، فكثيراً ما ينزل من المثل الأعلى إلى الواقع الأدنى"( 15).


إن واجب الفقيه أن يدرس الواقع دراسة علمية موضوعية، بكل أبعاده وعناصره ومؤثراته، بإيجابياته وسلبياته، ما له وما عليه.


ومن واجب هذا الفقه الواقعي، أو هذا الاجتهاد المعاصر: أن يعرف حقيقة الأقلية المسلمة التي يفتى لها، فلا شك أن الأقليات تتفاوت فيما بينها تفاوتاً بعيداً.


فالأقلية التي يكون معظمها من الوافدين المهاجرين، غير الأقلية التي يكون معظمها من المواطنين الأصليين.


والأقلية المستضعفة غير الأقلية المتمكنة ذات الحال والجاه والنفوذ، والأقلية المحدودة العدد، غير الأقلية الكبيرة.... وهكذا.


رابعاً- التركيز على فقه الجماعة لا مجرد الأفراد:


ومما يساهم في ترشيد فقه الأقليات: التركيز على الأقلية باعتبارهم جماعة متميزة، لها هويتها وأهدافها ومشخصاتها، ولا يمكنها أن تتغافل عنها.


وينبغي لأهل الفقه أن ينظروا إلى هذا الكيان الجماعي وما يتطلبه من مقومات، وما له من ضرورات وحاجات، وكيف تستطيع الجماعة أن تعيش بإسلامها في مجتمع غير مسلم، قوية متماسكة، مؤمنة بالتنوع في إطار الوحدة.


خامساً- تبني منهج التيسير:


وذلك إتباعاً للتوجيه النبوي: حينما بعث الرسول  أبا موسى ومعاذا "رضي الله عنهما" إلى اليمن فأوصاهما بقوله: " يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا"( 16)، وروى عنه أنس: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"(17)، وهذا المنهج هو منهج القرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ( 18_ ، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ(( 19)، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا(( 20)، وقال : "إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" ( 21)، وغير ذلك من النصوص العديدة.






سادساً- مراعاة سنة التدرج:


وينبغي أن يقوم فقه الأقليات على سنة التدرج، رعاية لظروفهم واغترابهم عن المجتمع المسلم، والتدرج سنة كونية وسنة شرعية، فلا مانع أن نتدرج معهم إذا كانت لهم ظروف غير مساعدة.


سابعاً- التحرر من الالتزام المذهبي:


ومن الضروري: ألا يضيق المفتي المسلم على الناس بالتزام مذهب معين،لا يخرج عنه بحال، بل عليه أن يخرج بالناس إلى باحة الشريعة الواسعة( 22).


ثامناً- مراعاة قاعدة: تغير الفتوى بتغير موجباتها:


ومن أعظم ما يقتضى التخفيف والتيسير: أن يكون المستفتى في حال ضعف، فيراعي ضعفه ويخفف عنه بقدره، ولهذا يخفف عن المريض ما لا يخفف عن الصحيح.


والمسلم في المجتمع غير المسلم أضعف من المسلم داخل المجتمع المسلم، ولهذا كان يحتاج إلى التخفيف والتيسير أكثر من غيره.


ومن ذلك ما روي أن عمر بن العزيز كان يقضي –وهو أمير في المدينة- بشاهد واحد ويمين، فلما كان بالشام، لم يقبل إلا شاهدين –لما رأى من تغير الناس هناك عما عرفه من أهل المدينة.


ومن ذلك ما ذكر: أن أبا حنيفة كان يجيز القضاء بشهادة مستور الحال في عهده –عهد أتباع التابعين- اكتفاء بالعدالة الظاهرة، وفي عهد صاحبيه –أبي يوسف ومحمد- منعا ذلك لانتشار الكذب بين الناس( 23).


ويقول علماء الحنفية في مثل هذا النوع من الخلاف بين الإمام وصاحبيه: إنه اختلاف عصر وزمان، لا اختلاف حجة وبرهان.


5- القواعد التي يمكن توظيفها في فقه الأقليات


إن قواعد الفقه تعتبر رافداً ثراً من روافد الفقه الإسلامي، ومصدراً أساسياً من مصادره، ومنبعاً لأسرار الشرع وحكمه، بها تنضبط الأحكام وبها تناط، وبممارستها تصل أهلية التخرج، والاستنباط.


وهي كثيرة ومرنة، ويمكن توظيف كثير منها في فقه الأقليات المسلمة، وإن كانت تتفاوت في ذلك ظهورًا وخفاء.


وبما أن المقام لا يتسع لتتبع تلك القواعد، فإننا نذكر هنا بعض القواعد التي يمكن توظيفها توظيفًا مباشراً فيما تعاني منه هذه الأقليات مثل:


1- الضرر يزال( 24)


وهي إحدى القواعد الأساسية الخمس التي عليها مدار الفقه، بل فيها من الفقه ما لا حصر له، ولعلها تتضمن نصفه، فإن الأحكام إما لجلب المنافع أو لدفع المضار، فيدخل فيها دفع الضروريات الخمس التي هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهذه القاعدة ترجع إلى تحصيل المقاصد وتقريرها بدفع المفاسد أو تخفيفها( 25).


2- الضرورات تبيح المحظورات:


وهي قاعدة مشهورة مرتبطة بسابقتها، وهي التي ينبني عليها جواز أكل الميتة للمضطر، وإساغة الغصه بالخمر، والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه.


فهي تعتبر من الأصول المحكمة الأصيلة في بناء الفقه الإسلامي، وهي دليل على مرونة الفقه، ومدى صلاحيته واتساعه لحاجات الناس.


3- درء المفاسد مقدم على جلب المنافع:


فيمنع الجار من التصرف بملكه الذي يؤدي إلى ضرر بغيره.


4- إذا تقابل مكروهان أو محظوران أو ضرران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما (إذا تعارضت مفسدتان، روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما):


ويشهد لذلك ما وقع في صلح الحديبية، قال القرافي: "قال بعض العلماء: إنما التزم رسول الله  في صلح الحديبية إدخال الضيم على المسلمين دفاعاً لمفاسد عظيمة، وهي قتل المؤمنين والمؤمنات الحالين بمكة، فاقتضت المصلحة أن ينعقد الصلح على أن يرد إلى الكفار من جاء منهم إليه، لأنه أهون من قتل المؤمنين، مع أن الله تعالى علم أن في تأخير القتال مصلحة عظيمة، وهي إسلام جماعة منهم، لذلك قال تعالى: لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ( 26)، وقال تعالى: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 27)، أي لو تميز الكافرون من المؤمنين( 28).


وقال أيضاً في مناقشته لأخذ الجزية من الكفار: "عادة الشرع دفع أعظم المفسدتين بإيقاع أدناهما، وتفويت المصلحة الدنيا لتوقع المصلحة العليا، ومفسدة الكفر توفى على مصلحة المأخوذ من أموال الكفار، بل على جملة الدنيا، فِلَم أقرهم الشرع على الكفر بهذا النذر اليسير.....؟


وجوابه: أن هذا من باب التزام المفسدة الدنيا لتوقع المصلحة العليا، وذلك لأن الكافر إذا قتل انسد عنه باب الإيمان، فشرعت الجزية رجاء أن يسلم هو


أو أحد من ذريته"( 29).


فهذه القاعدة ميزان دقيق لارتكاب أخف الضررين عند وقوع مفسدتين يراد دفع إحداهما بالأخرى.


5- المشقة تجلب التيسير:


وهي قاعدة مشهورة من القواعد التي عليها مدار الفقه، وقد أصلها السيوطي بقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج( 30)، وهذه القاعدة قال العلماء: "إنها يتخرج عليها جميع رخص الشرع وتخفيفاته"( 31).


حيث تدور عليها جميع الأحكام الشرعية عند حصول المشقة الشديدة وقيام الضرورة الملحة، فهي قاعدة أصولية فقهية مقطوع بصحتها، لتوفر أدلتها من الكتاب والسنة.


وفي القاعدة تفسير للأحكام التي روعي فيها التيسير والمرونة، وأن الشريعة لم تكلف الناس بما لا يستطيعون، أو بما يوقعهم في الحرج، وأن المراعاة والتيسير والتخفيف مرادة ومطلوبة من الشارع الحكيم.


6- ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها( 32) [الضرورات تقدر بقدرها]:


ومن فروعها: أن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق، وأن الطعام في دار الحرب يؤخذ على سبيل الحاجة، لأنه إنما أبيح للضرورة.


وهي قاعدة مهمة، لأنها تضع حداً وتقرر معياراً للتعامل مع الضرورة، كي لا نسرف في اعتبارها فنتجاوز الحد، وهذا موضع تزل فيه الأقدام كثيراً، فهي قيد لقاعدة، (الضرورات تبيح المحظورات).






7- الضرر لا يزال بالضرر( 33) [الضرر لا يزال بمثله]:


أي أن الضرر لا يزال بمثله، ولا بما هو أعظم منه من باب أولى، ولكن يجوز دفع الضرر بما هو أقل منه.


* وكذلك قولهم "يحتمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام"، لأن الجميع يشكلون قانوناً للتعامل مع الضرورات كيف نزيلها، وبم نزيلها، وطريقة الموازنة عند التعارض.


وهذه كلها أمور في غاية الأهمية، إذ لا يمكن أن نجعل اعتبار الضرورات أمراً عائماً لا حدود له ولا ضوابط، ومن ثم يتذرع به كل إنسان إلى ما يريد، فلابد أن تتحقق الضرورة، وبعد ذلك تقدر بقدرها، ولابد من الموازنة بين الضرورات إذا تعارضت، فإذا كان المحتكر يتضرر بجبره على بيع طعامه بالسعر، فإن العامة تتضرر بالاحتكار، فلابد من الموازنة بين الضررين، ولا شك أن ضرر العامة أشد من ضرر شخص واحد، وكذلك بالنسبة للتسعير وغير ذلك مما يتعارض فيه الضرر العام والضرر الخاص.


8- الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة( 34):


وانطلاقًا من هذه القاعدة ُجوزت الإجازة على خلاف القياس، وُجوز السلم كذلك لأنه بيع المعدوم، وجوز دخول الحمام مع جهالة مكثه فيه، وما يستعمل من الماء.


وقال إمام الحرمين: "إن الحرام إذا طبق الزمان وأهله، ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلاً، فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر، فإن الواحد المضطر لو صابر ضرورته ولم يتعاط الميتة لهلك، ولو صابر الناس حاجاتهم وتعدوها إلى الضرورة، لهلك الناس قاطبة، ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد، فافهموا ترشدوا"( 35).


9- إذا ضاق الأمر اتسع:


وهذه العبارة أجاب عنها الشافعي في ثلاثة مواضع:


أ- سئل إذا فقدت المرأة وليها في السفر فولت أمرها رجلاً أيجوز؟


فقال: إذا ضاق الأمر اتسع.


ب- سئل عن الذباب يجلس على الغائط ثم يقع على الثوب؟ فقال: إن كان طيرانه ما يجف فيه رجلاه، وإلا فالشيء إذا ضاق اتسع.


ج- سئل عن أواني الخزف المعمولة بالسرجين أيجوز الوضوء منها؟


فقال: إذا ضاق الأمر اتسع.


ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر، ثم قال: ولهم عكس هذه القاعدة


(إذا اتسع الأمر ضاق)( 36). قال ابن أبي هريرة في تعليقه: "وضعت الأشياء في الأصول على أنها إذا ضاقت اتسعت، وإذا اتسعت ضاقت، وجمع الغزالي بين القاعدتين بقوله: كل ما تجاوز حده انقلب على ضده( 37).


ولا يخفى ما لهذه القواعد من وثيق الصلة بمقصد السماحة واليسر، كما لا يخفي إمكان توظيفها واستثمارها في التخفيف من أنواع الحرج التي تدخل على هذه الأقليات في معاملاتها وجميع أحوالها، إن وجد العالم العارف بأحوال هذه الأقليات، القادر على استثمار هذه القواعد، المتمكن من تحديد الضرورات المعتبرة شرعًا والموازنة بينها إذا تعارضت.


6- بعض قضايا الأقليات المسلمة


هناك مجموعة من قضايا الأقليات المسلمة أصبحت تقلق مضجعهم وخاصة مع اليقظة الإسلامية الحديثة، والاهتمام بالمعايير الشرعية وقياس حياة الناس عليها، ونظراً لأن المقام لا يتسع لكل هذه القضايا أو معظمها، فإن الباحث سيختار منها – بناء على أهميتها – على سبيل المثال لا الحصر.


أولاً: المواطنة في الدول غير الإسلامية، ومدى ارتباطها بالولاء لنظام غير إسلامي.


ومفهوم المواطنة:جمع موطن، وهي مأخوذة من الوطن، ولها أصل في القرآن الكريم، بقوله تعالى:لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ( 38) وقد وردت كلمة الدار أو الديار بمعنى الوطن في القرآن ثماني عشرة مرة، منها قوله تعالى: والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ( 39)، وقوله: "فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وكَانَ وعْدًا مَّفْعُولاً( 40)، وقوله: وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيَارَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ وأَرْضًا لَّمْ تَطَئُووهَا ( 41).


وثمة تلازم بين الإسلام كدين ونظام حياة وبين الوطن. وفي السنة جاءت أحاديث تفيد أن الوطن هو موضع الإقامة والمكان الذي ينتمي إليه الإنسان بالمفهوم السياسي. منها ما رواه البخاري عن زيد بن ثابت أن أبا بكر قال له: "إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالقراء في كثير من المواطن"( 42)فهي مكان الإقامة بالنسبة للمقاتلين، وعن عثمان رضي الله عنه أنه صلى بمنى أربعاً، ولم يصل قصراً، لأنها صارت له وطناً ومقاماً.


وقد ذهب فريق من العلماء إلى جواز المواطنة من المسلم في دولة غير إسلامية، متى كان مستمسكاً بدينه، ممكناً من العمل بشعائره، متمتعاً بالحقوق والواجبات. ويؤكد هذا قول الماوردي: "إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر، فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة، لما يترجي من دخول غيره في الإسلام"( 43). وكأنى بالماوردي ينظر هنا إلى مستقبل الإسلام خارج أرضه، وبيان أهمية نشره في هذه البلاد، وبذلك يكون البقاء في هذه الديار من الأمور المستحبة – إن لم يكن من الأمور الواجبة – لأن فيه مصلحة، وهذه المصلحة من مقصود الشرع من الخلق وأولاها وهي "حفظ الدين" و ذلك بتبليغه للخلق.


يقول الشوكاني: "..... وإن كانت المصلحة العائدة على طائفة من المسلمين ببقائه ظاهرة، كأن يكون له مدخل في بعض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أو في تعليمه معالم الخير، بحيث يكون ذلك راحجاً على هجرته وفراره بدينه، فإنه يجب عليه ترك الهجرة، رعاية لهذه المصلحة الراجحة، لأن هذه المصلحة الحاصلة له بالهجرة على الخصوص تصير مفسدة بالنسبة إلى المصلحة المرجوة بتركه للهجرة" ( 44). والقاعدة الشرعية تقول: "تقديم المصلحة مقدم على جلب المفسدة، والمصلحة الراجحة مقدمة على المصلحة المرجوحة".


ويقول الشيخ المراغي: "المقيم في دار الكفر لا يمنع ولا يؤذي إذا طبق شعائر دينه، فلا يجب عليه الهجرة، كما هو شاهد من المسلمين المقيمين في بلاد الإنجليز الآن، إلا أن الإقامة فيها ربما كانت سبباً من أسباب محاسن الإسلام، وإقبال الناس عليه"(45 ).


ويقول الشيخ جاد الحق: "إذا أمن المسلم على دينه ومارس شعائر الإسلام في بلد ليس له دين أصلاً أو له دين غير الإسلام تصح إقامته"(46 ).


ومعتمد هذا الرأي، الأدلة الواردة في القرآن والسنة التي تجعل من الأرض التي يجد فيها المسلم ملاذاً له تحميه من العسف والظلم والاضطهاد، ويطيب له المقام فيها، فعليه أن يرحل إليها منها: قوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وسَاءَتْ مَصِيرًا( 47)، وقوله، يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإيَّايَ فَاعْبُدُونِ( 48).


وقد صح أن المسلمين الأوائل هاجروا من مكة إلى الحبشة، فراراً بدينهم، وأقاموا بها بأمر من رسول الله ، ولم تكن الحبشة دار إسلام ولم يكن أهلها يدينون بالإسلام.


ووفقاً للرأي القائل بتقسيم العالم والديار والأمم، فإن الإسلام يقسم الأمم إلى أمة إجابة وأمة دعوة، والمسلم – بموجب أنه من أمة الدعوة – مطالب أن يتواجد في بلد الإقليم الذي يدعو إليه، ليعلن عن الإسلام، ويبين رسالته في العالمين.


إن المواطنة تعطي شرعية للوجود الإسلامي، وتعترف بالدين الإسلامي داخل الدولة غير الإسلامية، وتضفي عليه حماية دستورية وقانونية تحمي حقوقه وتصون أمانه وأمنه في الدول غير الإسلامية.


والولاء: إنما يكون للإسلام ولهويته وللثوابت القطعية فيه بحسبانها تشكل أصول الإسلام، ومقومات رسالته للإنسانية.


والولاء الممنوع شرعاً: هو موالاة أعداء الله، على حساب الإسلام والانصراف عن أتباعه واتخاذ غير المسلمين نصيراً وعضداً.


وقد قرر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ما نصه: "إن الولاء رباط وثيق، يربط الإنسان بعلاقة خاصة ووشيجة حميمة تنشأ عنه التزامات وحقوق وواجبات، وهذه العلاقة ذات أوجه مختلفة وأبعاد متعددة، فالولاء قد يكون للعقيدة، وقد يكون للنسب والقوم، وقد يكون بالعهد والعقد، وقد أشار القرآن إلى هذه المعاني جميعاً. وأعلى هذه الولاءات منزلة الولاء للعقيدة الذي يدخل فيه الإيمان بأركانه، وما يترتب على ذلك من ممارسة الشعائر، والالتزام بالأخلاق الفاضلة، وهذا الولاء لا يتناقض مع الولاء للوطن الذي يرتبط معه الإنسان بعقد المواطنة، فيدافع عن حوزته ضد أي اعتداء"( 49).


كما أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء قراراً بشأن المواءمة بين التقيد بالثوابت وبين مقتضيات المواطنة: "يقصد بالمواطنة الانتماء إلى دولة معينة أرضاً وواقعاً، وحمل جنسيتها، ويقصد بالثوابت الإسلامية: الأحكام الشرعية الاعتقادية والعملية والأخلاقية التي جاءت بها النصوص الشرعية القطعية


أو أجمعت عليها الأمة الإسلامية، ويشمل ذلك ما يتعلق بالضروريات الخمس، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.


ومشروعية إسهام المسلمين في غير الدول الإسلامية، من الأنشطة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، التي لا تتعارض مع الثوابت المتقدمة، ولاسيما إذا اقتضت المواطنة ذلك شريطة ألا تهدد هويتهم وشخصيتهم الإسلامية"( 50).


ثانياً: المشاركة في النظام السياسي غير الإسلامي، سواء بالترشيح أو التصويت:


ونقصد بالمشاركة في الحياة أو النظام السياسي: تلك الأنشطة التي يمارسها الأفراد والأحزاب، كالتصويت والسلوك الانتخابي، والمشاركة في الإدارات والمناورات السياسية، وبحث المشكلات المطروحة أمام رجال السياسة وآليات تنفيذ ذلك.


ومن الأدلة النصية على جواز ذلك، قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ولا نُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ"(51 ).


قال الألوسي عند تفسير " اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ" فيها دليل على جواز طلب الولاية، إذ ا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل، وإجراء أحكام الشريعة وإن كان من يد الكافر أو الجائر، وربما يجب عليه الطلب إذا توقفت على ولايته إقامة واجب مثلاً، وكان متعينا لذلك( 52).


وقد شارك يوسف عليه السلام فعلا في الحكم في مجتمع مشرك، لا يقوم الحكم فيه على قواعد الإسلام، ويقول المودودي: "ومما يستدل منه على أن اشتراك المسلمين وحتى الأنبياء عليهم السلام في نظام حكومة غير إسلامية، أمر جائز مشروع، وليس ذلك فحسب، بل هو فرض كفاية في بعض الحالات، لأن طلب يوسف من فرعون مصر أن يكون على خزائن مصر برغبته، دليل على أن هذا السلوك لم يكن جائزاً مشروعاً فحسب، بل كان يعده واجباً عليه، وإلا لما طلبه من فرعون، ودعم طلبه بقوله عن نفسه "إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"( 53).


ولا يقال: بأن الآية تتكلم عن شرع من قبلنا، أما في شرعنا فالأمر مختلف، فلا يجوز تولى ولاية في ظل حاكم كافر أو مسلم جائر، لأن هذا مردود من جهة، أن شرعنا وشرع يوسف عليه السلام وجميع شراع الأنبياء متفقة على حاكمية الله تبارك وتعالى، وأنه ليس لأحد الحق أن يحكم بغير شرع الله، فحين تولى الوزارة لم يناقض هذه العقيدة شيء، ولم يكن مخطئا حين عمل بالوزارة، لأنه نبي معصوم( 54).


والخلاصة أن الدليل من القرآن قد قام على جواز تولي الرجل المسلم ولاية من الرجل الجائر أو السلطان الكافر، وقد سلم الدليل عن المعارض.


أما الدليل من السنة فيتمثل في موقف النجاشي الذي ظل حاكماً على نظام يحكم بغير شريعة الله بعد ذلك، ومع ذلك اعتبره النبي  رجلاً صالحاً، وصلى عليه بعد موته، ولم يخطئه في فعله، ومما يشهد بإسلامه: حديث البخاري الذي فيه أنه عليه السلام حين بلغه وفاة النجاشي قال: "مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة"( 55). وقد وصفه ابن حجر بأنه "كان رداء للمسلمين نافعاً"( 56).


وقد ساق الدكتور عمر الأشقر مجموعة من الأدلة على أن النجاشي لم يحكم في قومه بشريعة الإسلام منها" قوله في رسالته إلى النبي  "فإني لا أملك إلا نفسي"، ومنها: أن قومه قد خرجوا عليه يريدون خلعه، فنصره الله على خصمه، وكانت حجته على قومه أنه لم يغير، ولم يبدل مما عرفوه عنه، مع أنه اعتقد بالإسلام باطناً، وبعث يعلم  بمعتقده"( 57).


وقال ابن تيمية:"والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيراً ما كان يعين الرجل من المسلمين ...... وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها، ولا يمكنه ذلك، بل هناك ما يمنعه عن ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها... فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا بشرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالشرائع التي يمكنهم الحكم بها"( 58).


إن من يشارك في وزارة أو إدارة سياسية من الدعاة المخلصين وهو يقصد العدل والحق وتطبيق ما يمكن تطبيقه من أحكام الشريعة، ولو كانت مشتملة على ظلم ومخالطة حتى تولاها شخص قصده بذلك تحقيق الظلم فيها،وحماية مصالح المسلمين فإنه بذلك لا يعد وليًّا للظالمين، وإنما هو ولي المؤمنين، يحبهم وينصرهم إما بإيصال الحقوق إليهم أو بإنصافهم، أو بدفع الظلم عنهم، "فالولاء معناه النصرة والمحبة والاحترام، والركون إلى جانب المحبوبين من المؤمنين ظاهراً وباطناً"( 59).


ولا تكون المشاركة في الوزارة ركوناً إلى الظالمين، "لأن حقيقة الركون: السكون إليهم والرضا بحكمهم والميل إليهم"( 60)، وليس هذا من باب المداهنة، والمداراة على حساب دينه.


وفي هذا الإطار يفهم قول العز بن عبد السلام: "ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك جلباً للمصالح العامة، ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده، تعطيل المصالح العامة، وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال في من يتعاطى توليتها لمن هو أهل لها"( 61).


كما أن الشيخ محمد عبده في جوابه على سؤال مضمونه "هل يجوز للمسلم المستخدم عند الإنجليز الحكم بالقوانين الإنجليزية وفيها الحكم بغير ما أنزل الله" فأجاب بالجواز وقال: "وعلى من أقام أن يخدم المسلمين قدر طاقته ويقوي أحكام الإسلام بحسب استطاعته، ولا وسيلة لتقوية نفوذ الإسلام وحفظ مصلحة المسلمين مثل تقلد أعمال الحكومة.......والظاهر أن ترك أمثاله من أهل الخبرة للقضاء وغيره من أعمال الحكومة تأثماً من العمل بقوانينها، يضيع على المسلمين معظم مصالحهم في دينهم ودنياهم، وما نكب المسلمون في الهند ونحوها، وتأخروا إلا بسبب الحرمان من أعمال الخدمة"( 62).


وعليه فإذا كانت المشاركة محققة لمقصود الشارع بحفظ دين المسلمين، بحسب ما يغلب على الظن، أو بحفظ حقوقهم وحرياتهم، ووجد القادر على القيام بأعبائها وهو القوي الأمين، فإنها تكون واجبة كفاية أو عيناً أو مندوبة، وينبغي دعمه ومساعدته، أما إذا كان وسيلة غير فعالة في تحقيق ذلك، بحسب ما يغلب على الظن، أو بحكم الاعتياد والتجربة، أو كانت مفاسدها أكبر على المسلمين، فإن المشاركة ممنوعة شرعاً.


ثالثاً: شراء المسلم في الدولة الأجنبية لبيوت أو مساكن بفوائد بنكية.


تعرض للمسلم في وجوده بالدولة الأجنبية مسألة البحث عن مسكن أو بيت يقطن فيه أو يتخذه محلاً للإقامة، وهنا يواجه نظام تملك العقارات في الدول الغربية، حيث يتم هذا التملك عن طريق شراء البيوت بالقرض الربوي، مما يتطلب التعرف على حكم هذا النوع من التعامل.


وتتنازع مسألة شراء المسلم لمسكن في دولة غير مسلمة وجهتا نظر متقابلتان:


إحداهما: تذهب إلى أن هذا التعامل من قبيل المعاملات الربوية الحرام، مستدلاً بعمومات النصوص المحرمة للربا في مثل قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾( 63) وهو ربا النسيئة المتضمن للبيع الذي تمارسه البنوك بزيادة نظير الأجل، وهو منهى عنه.


وقول رسول الله  "لا ربا في النسيئة"، وهذا الربا الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة لما قال: "ألا إن كل ربا موضوع، وإن أول ربا أضعه ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله" ( 64).


إن من الفقهاء من يرى إدراج مثل هذه الصورة ضمن ربا الجاهلية المحرم، وأنه يعد من أصول الربا وتحريم التعامل فيه من باب المقاصد، يقول ابن رشد في باب (بيوع الذرائع الربوية): "والصورة التي يعتبرها مالك في الذرائع في هذه البيوع، هي أن يتذرع منها إلى: أنظرني أزدك، أو إلى بيع مالا يجوز متفاضلاً، وبيع ما لا يجوز نساء، أو إلى سلف، أو إلى ذهب وعرض بذهب، أو إلى ضع وتعجل أو إلى بيع الطعام قبل أن يستوفي، أو بيع وصرف، فإن هذه هي أصول الربا"( 65).. ودلالة ذلك على حرمة شراء المسلم لمسكن بفوائد بنكية، جليّ يستمد سنده من نصوص القرآن والسنة وأقوال الفقهاء.


إزاء ذلك فإن الأمر يستدعي عدم انتهاج هذه الوسيلة في شراء البيوت، والبحث عن استخدام بدائل أخرى ترتكز على سند شرعي أو وجه فقهي يقدم حلاً سائغاً مقبولاً من الناحية الشرعية. ( 66)


ثانيهما: ترى أن شراء المسلم لبيت في دولة غير مسلمة بنظام القرض الربوي جائز شرعاً، كون هذا التعامل، لا ينطبق عليه الربا المحرم قطعاً، على سند من الأدلة الآتية:


1- أن هذه الصورة من التعامل معاملة حديثة لا يصدق عليها وصف ربا الجاهلية أو ربا النسيئة المحرم قصداً؛ إذ أن هذا الربا هو ربا الديون الذي يتاقضى فيه الدائن الفائدة على الفائدة، وهو ربا الأضعاف المضاعفة بحسب وصف القرآن، فهو الربا المركب الذي منشؤه الاستغلال والظلم وخراب البيوت، فإن ربا الجاهلية أو النسيئة الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية كان يحصل بأن يؤخر المقرض الدين ويزيد في المال، وكلما أخره زاده في المال (الفائدة) حتى تصير عنده المائة آلافا مؤلفة، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج، فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلف بذلها ليفتدى من أسر المطالبة والحبس ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين، حتى يستغرق جميع موجوده فيربوا المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع منه يحصل لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر( 67).


2- أن المسلم في تعامله مع البنك، إنما يتعامل في أمر ضروري من ضروريات حياته، فهو لا يستغني عن مسكن يأويه، ويستظل به من قيظ الصيف وبرودة الشتاء، وشأنه مع المسكن شأن حاجته إلى الطعام والشراب والملبس، ومن ثم فإن الحصول على المسكن لازم لحماية نفسه وأهله،ومحقق لمنفعة قطعية لديه، وإذا كان ثمة شبه ربا في هذا التعامل، فإن المصلحة في تحصيله راجحة، وعلى حد تعبير ابن تيمية، فإن: الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتبطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيلها أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع( 68).


3- أجاز الفقه الحنفي التعامل في الربا بين المسلم وغير المسلم في دار الحرب، في غير دار السلام، ودليله ما رواه مكحول عن رسول الله  قال: [لا ربا بين المسلمين وبين أهل الحرب في دار الحرب]، وهذا الحديث وإن كان مرسلاً فمكحول فقيه ثقة والمرسل من مثله مقبول، وهو كما يقول السرخسي دليل لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.. وقال محمد: "وبلغنا أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى: الّـم * غُلِبَتِ الرُّومُ ( 69). قال له مشركو قريش إنهم يرون أن الروم ستغلب فارس، فقال: نعم، فقالوا: هل لك أن تخاطرنا على أن نضع بيننا وبينك خطراً، فإن غلبت الروم أخذت خطرنا، وإن غلبت فارس أخذنا خطرك، فخطرهم أبو بكر – رضي الله عنه – على ذلك، ثم أتى النبي  وأخبره فقال: "اذهب إليهم فزد في الخطر وأبعد في الأجل"، ففعل أبو بكر – رضي الله عنه – وظهرت الروم على فارس، فبعثوا إلى أبي بكر أن تعال فخذ خطرك، فذهب وأخذه، فأتى النبي  فأمره بأكله، وهذا القمار لا يحل بين أهل الإسلام، وقد أجازه رسول الله  بين أبي بكر- وهو مسلم – وبين مشركي قريش؛ لأنه كان بمكه في دار الشرك حيث لا يجري أحكام المسلمين( 70).


4- أنه على القول بتحريم شراء البيوت بقرض ربوي حرمة قطعية فإن إجازة التعامل فيه تكون بناء على حال الضرورة؛ تطبيقاً لقاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات"، المبنية على قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 71). وهذه الضرورة هي التي ترخص أكل الميتة والتلفظ بالكفر عند الإكراه الملجئ والقلب مطمئن بالإيمان؛ تطبيقاً لقاعدة "ما كان محرماً لذاته يباح للضرورة، وما كان محرماً لغيره يباح للحاجة"( 72). ولا شك أن تحصيل منزل للسكنى من قبيل الضروريات والاحتياجات الأساسية للمسلم، فيكون التعامل فيه جائزاً.


وقد نهجت المجامع الفقهيه – في بيان الحكم الشرعي على القرض بفائدة – إلى اتجاهين:


الاتجاه الأول: يتجه إلى التعميم في الحكم، والاعتصام بالرأي القائل بتحريم كل صور الزيادة على أصل القرض، واعتباره من القرض الربوي الذي يقع تحت طائلة عموم النصوص المحرمة للربا، وأطلقت القول في ذلك دون بحث ظروف الواقعة وطبيعة المسألة التي من أجلها كان القرض، ونموذج ذلك الفتوى التي أصدرها بالإجماع علماء المسلمين المشتركين في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية عام 1965م، وجاء نصها: الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا حرام كذلك، ولا يرفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقرير ضرورته( 73).


كما أفتى مجمع الفقه الإسلامي – المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي: بأن كل زيادة (أو فائدة) على الدين الذي حل أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة (أو الفائدة) على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً(74 ).


الاتجاه الثاني: ذهب إليه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ونحا فيه إلى بحث واقع الجاليات الإسلامية في الغرب، والنظر في ظروف المسلمين وهم أقلية في هذه المجتمعات والاعتبارات التي تلجئهم إلى شراء بيوت للسكن بقروض مصرفية بفائدة.


ومما جاء في الفتوى: أن المجلس – في ضوء الأدلة والقواعد والاعتبارات الشرعية – لا يرى بأساً من اللجوء إلى هذه الوسيلة وهي القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه المسلم لسكناه هو وأسرته بشرط ألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكنه من شرائه بغير هذه الوسيلة.


وقد اعتمد المجلس في فتواه على مرتكزين أساسيين:


المرتكز الأول: قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات": وهي قاعدة متفق عليها مأخوذة من نصوص القرآن في خمسة مواضع: منها قوله تعالى: وقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ ( 75). ومنها قوله تعالى في نفس السورة بعد ذكر محرمات الأطعمة: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ولا عَادٍ فَإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 76).


ومما قرره الفقهاء من أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة خاصة كانت أو عامة... والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج، وإن كان يستطيع أن يعيش، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة بنصوص القرآن، كما في قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( 77). وقوله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ( 78) والمسكن الذي يدفع عن المسلم الحرج هو المسكن المناسب له في موقعه، وفي سعته وفي مرافقه بحيث يكون ساكناً حقاً7

وإذا كان المجلس قد اعتمد على قاعدة الضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، فإنه لم ينس القاعدة الأخرى الضابطة والمكملة لها، وهي أن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، فلم يجز تملك البيوت للتجارة ونحوها، والمسكن – ولاشك – ضرورة للفرد المسلم وللأسرة المسلمة، كما أنه يمكنه أن يختار المسكن قريباً من المسجد والمركز الإسلامي والمدرسة الإسلامية ويهيئ فرصة للمجموعة المسلمة أن تتقارب في مساكنها عسى أن تنشيء لها مجتمعاً إسلامياً صغيراً داخل المجتمع الكبير، فيتعارف فيه أبناؤهم وتقوى روابطهم ويتعاونون على العيش في ظل مفاهيم الإسلام وقيمة العليا.


كما أن هذا يمكن المسلم من إعداد بيته وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والاجتماعية ما دام مملوكا له.


وهناك – إلى جانب هذه الحاجة الفردية لكل مسلم – الحاجة العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقلية خارج دار الإسلام، وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية حتى يرتفع مستواهم، ويكونوا أهلا للانتماء إلى خير أمة أخرجت للناس، ويقدموا صورة مشرقة للإسلام أمام غير المسلمين؛ كما تتمثل في أن يتحرروا من الضغوط الاقتصادية عليهم ليقوموا بواجب الدعوة ويساهموا في بناء المجتمع العام، وهذا يتقاضى ألا يظل المسلم يكد طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات عيشه، ولا يجد فرصة لخدمة مجتمعه أو نشر دعوته.


المرتكز الثاني: وهو مكمل للمرتكز الأول وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن الشيباني – وهو المفتى به في المذهب الحنفي – وكذلك سفيان الثوري وإبراهيم النخعي وهي رواية عن أحمد بن حنبل ورجحها ابن تيمية – فيما ذكره بعض الحنابلة – من جواز التعامل بالربا – وغيره من العقود الفاسدة – بين المسلمين وغيرهم من غير دار الإسلام( 78).


ويرجح الأخذ بهذا المذهب هنا إلى عدة اعتبارات منها:


1- أن المسلم غير مكلف شرعا أن يقيم أحكام الشرع المدنية والمالية والسياسية ونحوها مما يتعلق بالنظام العام في مجتمع لا يؤمن بالإسلام؛ لأن هذا ليس في وسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وتحريم الربا هو من الأحكام التي تتعلق بهوية المجتمع وفلسفة الدولة واتجاهها الاجتماعي والاقتصادي.


وإنما يطالب المسلم بإقامة الأحكام التي تخصه فرداً، مثل: أحكام العبادات وأحكام المطعومات والمشروبات والملبوسات وما يتعلق بالزواج والطلاق والرجعة والعدة والميراث وغيرها من الأحوال الشخصية، بحيث لو ضيق عليه في هذه الأمور ولم يستطع بحال إقامة دينه فيها لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلى ذلك سبيلاً.


2- أن المسلم إذا لم يتعامل بهذه العقود الفاسدة – ومنها عقد الربا – في دار القوم سيؤدي ذلك بالمسلم إلى أن يكون التزامه بالإسلام سبباً لضعفه الاقتصادي وخسارته مالياً. والمفروض أن الإسلام يقوي المسلم ولا يضعفه، ويزيده ولا ينقصه، وينفعه ولا يضره.


وقد احتج بعض علماء السلف على جواز توريث المسلم في غير المسلم بحديث أبي داود، أن معاذاً قال: سمعت رسول الله  يقول: [الإسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم] أي يزيد المسلم و لا ينقصه، ومثله: [الإسلام يعلو ولا يعلي]، وهو إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها فيما بينهم سيضطر إلى أن يعطي ما يطلب منه ولا يأخذ مقابله، فهو ينفذ هذه القوانين والعقود فيما يكون عليه من مغارم، ولا ينفذها فيما يكون له من مغانم، فعليه الغرم دائما وليس له الغنم، و بهذا يظل المسلم أبداً مظلوماً مالياً بسبب التزامه بالإسلام، والإسلام لا يقصد أبداً إلى أن يظلم المسلم بالتزامه به، وأن يتركه في غير دار الإسلام لغير المسلم يمتصه ويستفيد منه، في حين يحرم على المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في ضوء العقود السائدة والمعترف بها عندهم.


وما يقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيز التعامل بالربا في حاله الأخذ لا الإعطاء؛ لأنه لا فائدة للمسلم في الإعطاء، وهم لا يجيزون التعامل بالعقود الفاسدة إلا بشرطين:


الأول: أن يكون فيها منفعة للمسلم.


الثاني: ألا يكون فيها غدر ولا خيانة لغير المسلم، وهنا لم تتحقق المنفعة للمسلم.


فالجواب أن هذا غير مسلم، كما يدل عليه قول محمد بن الحسن الشيباني في: "السير الكبير"، وإطلاق المتقدمين من علماء المذهب؛ كما أن المسلم وإن كان يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد؛ إذ به يمتلك المنزل في النهاية.


وقد أكد المسلمون – الذين يعيشون في الديار بالسماع المباشر منهم وبالمراسلة – أن الأقساط التي يدفعونها للبنك بقدر الأجرة التي يدفعونها للمالك؛ بل أحياناً تكون أقل.


ومعنى هذا أننا إذا حرمنا التعامل هنا بالفائدة مع البنك، حرمنا المسلم من امتلاك مسكن له ولأسرته، وهو من الحاجات الأصلية للإنسان كما يعبر الفقهاء، وربما يظل عشرين سنة أو أكثر يدفع إيجاراً شهرياً أو سنوياً ولا يملك شيئاً، على حين كان يمكنه – في خلال عشرين سنة وربما أقل – أن يملك البيت. فلو لم يكن هذا التعامل جائزاً – على مذهب أبي حنيفة ومن وافقه – لكان جائزاً عند الجميع للحاجة التي تنزل أحياناً منزلة الضرورة في إباحة المحظور بها.


ولاسيما أن المسلم هنا إنما يؤكل الربا ولا يأكله، أي هو يعطي الفائدة ولا يأخذها، والأصل في التحريم منصب على أكل الربا، كما نطقت به آيات القرآن، وإنما حرم الإيكال سداً للذريعة؛ كما حرمت الكتابة له، والشهادة عليه فهو من باب تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد.


ومن المعلوم أن أكل الربا المحرم لا يجوز بحال، أما إيكاله بمعنى إعطاء الفائدة فيجوز للحاجة، وقد نص على ذلك الفقهاء وأجازوا الاستقراض بالربا إذا سدت في وجهه أبواب الحلال.


ومن القواعد الشهيرة هناك: "أن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة".


وبالبناء على ما تقدم:


فإن على المسلم أن يتحرى السبل الشرعية الحلال لشراء البيوت في الدول الغربية، من البيع مرابحة أو القرض الحسن أو المشاركة بالطريق الشرعي، فإذا سدت في وجهه هذه السبل فيجوز له شراء بيت يتملكه له ولأسرته بقرض بفائدة؛ درءاً للمفسدة؛ وجلباً للمصلحة في مجتمع غير إسلامي( 79).


نتائـــج البحـــث


وقد توصل الباحث – بعون الله – إلى النتائج التالية:


أولاً: إن وجود المسلمين في أي بلد يجب التخطيط له باعتباره وجوداً مستمراً ومتنامياً، لا باعتباره وجوداً طارئاً أو إقامة مؤقتة أملتها الظروف السياسية والاقتصادية في العالم الإسلامي. ولا حجة في رجوع المهاجرين من الحبشة، لأن الهجرة كانت واجبة في صدر الدعوة وبناء المجتمع الجديد، ثم سقط ذلك الوجوب بالفتح، كما قال : "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"(80 ). كما أن رجوعهم كان مواصلة لهجرة جديدة لأن مكة هي موطنهم.


ثانياً: ينبغي لأبناء الأقليات المسلمة أن لا يقيدوا أنفسهم باصطلاحات فقهية تاريخية لم ترد في الوحي مثل: دار الإسلام، ودار الكفر. وعليهم أن ينطلقوا من المنظور القرآني: " إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "( 81)، وقوله: " ولَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"( 82).


ثالثا: من واجب المسلمين أن يشاركوا في الحياة السياسية والاجتماعية بإيجابية، انتصارًا لحقوقهم، ودعماً لإخوانهم في العقيدة أينما كانوا، وتبليغاً لحقائق الإسلام، وتحقيقاً لعالميته.


رابعاً: كل منصب أو ولاية حصل عليها المسلمون بأنفسهم، أو أمكنهم التأثير على من فيها من غيرهم، تعتبر مكسباً لهم من حيث تحسين أحوالهم، وتعديل النظم والقوانين التي تمس صميم وجودهم، بل والتي لا تنسجم مع فلسفة الإسلام الأخلاقية، ومن حيث التأثير على القرارات السياسية ذات الصلة بالشعوب الإسلامية الأخرى.


خامساً: كل ما يعرض على تحقيق هذه الغايات النبيلة من الوسائل الشرعية فهو يأخذ حكمها، ويشمل ذلك تقدم المسلم لبعض المناصب السياسية، وتبنى أحد المترشحين غير المسلمين – إذا كان أكثر نفعاً للمسلمين، أو أقل ضرراً عليهم، فقد أباح الله تعالى برهم وصلتهم دون مقابل، فكيف إذا ترتب على ذلك مردود واضح، ومصلحة متحققة.


سادساً: إن انتزاع المسلمين لحقوقهم في بلد يمثلون أقلية فيه، وتفاعلهم الإيجابي مع أهل البلد الأصليين، يقتضي منهم تشاوراً وتكاتفاً واتفاقاً في الكليات، وتعاذراً في الجزئيات والخلافيات. ولنا في سلفنا من المهاجرين إلى الحبشة أسوة حين اجتمعوا وتشاوروا حول أمثل الصيغ للرد على الموقف الحرج.


سابعاً: يحتاج أبناء الأقليات المسلمة إلى ترسيخ الإيمان بالله، وتدعيم الثقة في الإسلام، حتى لا يدفعهم التفاعل مع غيرهم إلى تنازلات تمس أساس الدين، مجاراة لعرف سائد، أو تيار جارف – وفي رفض الصحابي الجليل جعفر رضي الله عنه السجود للنجاشي – كما فعل خصماه وكما يقضى العرف – أسوة في هذا السبيل.


ثامناً: فقه الأقليات المسلمة: هو فقه نوعي يراعي ارتباط الحكم الشرعي بظروف الجماعة، وبالمكان الذي تعيش فيه، وهذا يتطلب – بعد فقه النص – النظر إلى الواقع البشري وتقويمه، من خلال النظر للنص وكيفيات تنزليه في ضوء هذا الواقع البشري.


********
تفقير البحث




([1]) إن ما يقرب من ثلث المسلمين اليوم يعيشون خارج دائرة العالم الإسلامي الجغرافية (450 مليون مسلم من مجموع ما يقرب من مليار و 350
).


(2) راجع: فقه الأقليات المسلمة – يوسف القرضاوي- دار الشروق- ط (1) 1422هـ/2001م-ص34.

(3) المصدر السابق- ص 35 بتصرف

(4) مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها- لعلال الفاسي- ص7.

(5) الأحزاب (45).

(6) النحل (125).

(7) صحيح البخاري: كتاب الإيمان- باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وكتاب الصلاة-

باب فضل استقبال القبلة. وصحيح مسلم: كتاب الإيمان- باب الأمر بقتال الناس.

(8) مسند الإمام أحمد 4/103.

(9) أخرجه أحمد في مسنده 4/204.

(10) أخرجه ابن حبان في صحيحه 9/463-466، رقم (4156، 4158).

(11) أخرجه أحمد في سنده 4/204.

(12)انظر معالم هذا الاجتهاد: في كتابي الدكتور يوسف القرضاوي، الأول بعنوان (الاجتهاد في الشريعة الإسلامية)، والثاني بعنوان (الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط).

(13) سيأتي الحديث عنها في ص5.

(14) أعلام الموقعين ج1، ص 87.

(15) المصدر السابق، ج1 ص 88. وانظر تفصيل ذلك أيضاً عند الإمام القرافي في كتاب "الفروق"، وقرره الإمام ابن عابدين في حاشية: رد المحتار على الدر المختار.

( 16) صحيح البخاري: كتاب العلم- باب ما كان النبي  يتخولهم بالموعظة والعلم كيلا ينفروا.

(17) المائدة (6).

(18) البقرة (185).

(19) النساء (28).

(20) أخرجه النسائي: في كتاب الحج- باب التقاط الحصى (5/268) وإسناده صحيح.

(21) ولعل من أبرز مثال لذلك: آراء شيخ الإسلام ابن تيمية في الطلاق ونحوه، فقد رفضها أكثر أهل عصره واتهموه من أجلها بتهم شتى، وحاكمه علماء وقته، ودخل السجن أكثر من مرة من أجل آراءه هذه، والآن نرى كثير من علماء العصر يفتون بها، إذ يرون فيها إنقاذ الأسرة المسلمة من الانهيار بسبب كثرة إيقاع الطلاق، مع حرص الزوجين على بقاء العشرة.

( 22) انظر: أصول التشريع الإسلامي- على حسب الله، ص 84.

(23) نظر: الاشتباه والنظائر – للسيوطي 1/61.

24)( راجع: شرح الكوكب المنير- لابن النجار- ج 4، ص443.

(25) الفتح (25).

(26) الفتح (25).

(27) الزخيره 13/355.

(28) المصدر السابق 3/453.

(29) الحج (78).

(30) الأشباه والنظائر- للسيوطي 1/194، ولابن نجيم ص 84.

(31) ذكرها ابن نجيم في الأشباه والنظائر، ص 95.

(32) الأشباه والنظائر – لابن نجيم- ص 96.

(33) ذكرها السيوطي في الأشباه والنظائر 1/218، وابن نجم ص 100، والمراد بالحاجة هنا: ما كان دون الضرورة، لأن مراتب ما يحرص الشرع على توفيره للإنسان ثلاث: الضرورات والحاجيات والتحسينيات.

(34) الغياثي –للجويني- ص 478.

(35) الأشباه والنظائر- للسيوطي ج1، ص 208.

(36) الأشباه والنظائر- لابن نجيم، ص 93.

(37) التوبة (25)

(38) الحشر (9)

(39) الإسراء (5)

(40) الأحزاب (27)

(41) صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن- باب قوله (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) ح (4679)

(42) وينسب هذا الرأي أيضاً في العصر الحديث للإمام محمد عبده، حيث قال بعدم وجوب الهجرة على المسلمين المقيمين في البلاد الأوروبية، لأنهم متحققون من حريتهم الدينية. انظر" تفسير المنار – ج5 ص 291. ومن أنصار هذا الرأي قديما، الماوردي والشوكاني، وحديثا، في الإمام محمد عبده، والشيخ المراغي والشيخ جاد الحق وغيرهم.

(43) السيل الجرار – للشوكاني- ح2 ص577.

(44) تفسير المراغي – ح2 ص 133.

(45) مجلة الأزهر – السنة 63، ص 617.

(46) النساء (97).

(47) العنكبوب (56).

(48) انظر: فتاوي وقرارات الدورة العادية السادسة عشرة، للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ص 302- المجلة العلمية للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، العددان 10، 11، الجزء الثاني، مايو 2007م، جمادي الأولى 1428هـ.

(49) المصدر السابق ص 303

(50) يوسف (55، 56)

(51) روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني – ج3 ص 5

(52) الحكومة الإسلامية- أبو الأعلى المودودي – ص 65

(53) المشاركة في الوزارة والمجالس النيابية – عمر الأشقر – دار النفائس، عمان – ص74.

(54) راجع: المصدر السابق، ص 58

(55) صحيح البخاري: كتاب مناقب الأنصاري– باب موت النجاشي – ج (3877) وصحح مسلم: كتاب الجنائز – باب في التكبير على الجنازة – ج (953)

(56) الإصابة في تمييز الصحابة – لابن حجر العسقلاني - ج1 ص 109

(57) مجموع الفتاوي – ص 20 ص 218.

(58) الولاء والبراء في الإسلام – محمد سعيد القحطاني – ص 89.

(59) الجامع لأحكام القرآن – للقرطبي – ج 9 ص 108.

(60) قواعد الأحكام في مصالح الأنام – للغز بن عبد السلام – ح1 ص73.

(61) تفسير المنار – محمد رشيد رضا – ج1 ص 408.

(62) البقرة (278).

(63) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج1ص 1277- 1279.

(64) بداية المجتهد، ج2، ص 142، 143.

(65) مثل صيغ المعاملات الشرعية التي تستخدمها البنوك الإسلامية، مثل: بيع المرابحة للأمر بالشراء، بيع التقسيط، إنشاء بنوك إسلامية في الدول الأجنبية للتعامل في شراء العقارات بدون الحصول على الفوائد الربوية المحرمة.

(66) راجع أعلام الموقعين، ابن القيم. ج2، ص 135، 136، وانظر/ محمد الشحات الجندي، فقه التعامل المالي والمصرفي الحديث، ص 27.

(67) السياسة الشرعية، ص 25.

(68) الروم (1-2).

(69) المبسوط، ج14، ص 56، 57.

(70) البقرة: 173.

(71) فقه التعامل المالي والمصرفي الحديث، ص29.

(72) أبحاث المؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية، بحوث اقتصادية وتشريعية، ص 264

(73) قرار المجمع في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10- 16 ربيع الثاني 1406هـ الموافق 22- 28 ديسمبر 1985.

(74) الأنعام (119)

(75) الأنعام (145)

(76) الحج (78)

(77) المائدة (6)

78) راجع: قضايا الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية – محمد الشحات الجندي – ص61

(79) راجع: قضايا الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية، ص 51: 67

(80) صحيح البخاري: كتاب الجهاد – باب فضل الجهاد والسير – ج رقم 2783. وصحيح مسلم: كتاب الإمارة – باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد – ج رقم 1864.

(81) الأعراف (128).

(82) الأنبياء (105).







مصـــادر البحـــث


1- الأشباه والنظائر – لابن بخيم – تحقيق: محمد مطيع الحافظ – دار الفكر، دمشق.


2- الأشباه والنظائر – للسيوطي – دار الكتب العلمية، بيروت.


3- الأقليات المسلمة في العالم: ظروفها المعاصرة، آلامها وآمالها- مجموعة من العلماء – دار الندوة العالمية.


4- أولوية الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة – يوسف القرضاوي – مكتبة وهبة – ط (5)، 1421هـ/ 2001م.


5- التجديد في الفكري الإسلامي – أبحاث المؤتمر العام الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1423هـ/ 2002م.


6- تفسير المنار – محمد رشيد رضا – الهيئة المصرية العامة للكتاب،


سنة 1972م.


7- الجاليات الإسلامية في أوروبا الغربية، مشكلات التأقلم والاندماج – مجموعة من العلماء – دار النفائس، بيروت.


8- حكم مشاركة الإسلاميين في نظام غير إسلامي- راشد الغنوشي –


منشور في كتاب: مشاركة الإسلاميين في السلطة، لعزام التميمي.


9- الحكومة الإسلامية – أبو الأعلى المودودي – المختار الإسلامي –


ط(1)، 1397هـ/ 1997م.


10- شرح الكوكب المنير- بن النجار – تحقيق: محمد الزحيلي وغيره –


مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى.


11- فتح الباري بشرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني – تحقيق:


عبد العزيز بن باز – دار الفكر، بيروت.


12- فقه الأقليات المسلمة – خالد عبد القادر – دار الإيمان، طرابلس –


ط(1)، 1998م.


13- في فقه الأقليات المسلمة – طه جابر العلواني – سلسلة في التنوير الإسلامي (52) نهضة مصر عام 2000م.


14- في فقه الأقليات المسلمة – يوسف القرضاوي – دار الشروق، ط (1)، 1422هـ/ 2001م.


15- قضايا الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية – محمد الشحات الجندي – سلسلة قضايا إسلامية (161) – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية عام 1429هـ- 2008م.


16- القواعد الفقهية – على أحمد الندوي – دار القلم، دمشق.


17- مجموع الفتاوى – لابن تيمية – طبع دار الحديث بالقاهرة.


18- مقاصد الشريعة الإسلامية – محمد الطاهر بن عاشور – الشركة التونسية للتوزيع، سنة 1978م.


19- منهاج السنة – لابن تيمية – المطبعة الأميرية، ط (10)، 1321هـ.


20- الموافقات في أصول الشريعة – للشاطبي – تحقيق: محمد عبد الله دراز – دار المعرفة، بيروت.


21- نحو فقه جديد للأقليات – جمال الدين عطية محمد – دار السلام، القاهرة – ط (1)، 1423هـ/ 2003م.


22- النظام السياسي للدولة الإسلامية – محمد سليم العوا – دار الشروق، القاهرة، ط (7)، 1989م.


23- نظرية الإسلام السياسية – أبو الأعلى المودودي – دار العروبة للدعوة الإسلامية، الهند.


24- نيل الأوطان – الشوكاني، دار الفكر، بيروت.


25- الولاء والبراء في الإسلام – محمد سعيد القحطاني – دار المعرفة، 1412هـ.


***********
مليون نسمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق